كنا قد التقينا صدفة على شباك الذاكرة العتيقة، نظراته التي كان يصوبها نحوي بين الفينة والفينة، كانت تفضح تجاهله، كانت تعيد شريط أيامنا الجميلة على شرفات الأحلام، لتروي جراحات حب حاول الزمن تخفيف آلامه.
لا أعرف كيف جرتني خطاي اليوم إلى هذا المكان، هل هي بقايا الشوق التي حاولت دفنها في أقاصي القلب؟ لست أدري... ليس من عادتي شرب القهوة بعيدا عن دفتر يومياتي، أتجرعها كل مساء وأنا أدون جراحي، وأحلامي، مرارة قهوتي كانت تخفف بعضا من أحزاني. لكني اليوم.... سوف أشربها بين صفحات ذكرياتي، لذلك سأجعل قهوتي حلوة على غير العادة.... أتراه العطر التائه بيننا مازال يبحث عنا؟ مازال يحلم يوما أن يجمعنا، هو ذاك الذي ساقنا اليوم هنا؟؟ شربت قهوتي على عجل، حتى لا تغريني حلاوتها بأمل جديد، بميلاد جديد يحطم ما بقي من كبريائي، وأنا التي حاولت كتم دقات قلبي وهي ترفرف نحوك في لهف، حاولت لملمة أشواقي المبعثرة حولك تريد أن تغمرك وتبكي على كتفيك كطفل مدلل... أردت مبادلتك التجاهل ذاته الذي قابلت به لقاءنا العابر هذا. وخرجت مسرعة، دون أن أنسى تفحص كل ثيابك وقسمات وجهك، وحتى عطرك الذي ظل يلاحقني دائما... مازلت تحتفظ بالقميص؟؟... سعادة تشبه سعادة لقاءاتنا القديمة، غمرتني لأنك ترتدي القميص - آخر هدية كانت لك مني قبل أن تهديني رصاصة الرحمة لتشفيني من حب سكنني حد الجنون....- دفنت إحساسي بداخلي مخافة أن يكون بداية أمل جديد يعيد إلي أحزان الفراق... غير أن سعادتي أغوتني بالعودة قليلا، وتفحص القميص ثانية. حاولت المقاومة لكن جنوني كان أقوى، وجرتني خطايا مرة أخرى نحوك، لم تكن الصدفة هذه المرة من جمعنا، بل كانت أشواقي هي التي وضعتني على دربك المدجج بالأشواك....
وقفت أمامك فجأة، ودون سابق إنذار، لم تنتبه حتى لوجودي، فقد كنت مستغرقا في عالم جريدتك المقدسة، وكأني بك تبحث بين صفحاتها عن حلم أضعته، عن حب تركته يوما في انتظارك ولم تعد. أعرف أنك تعشق أخبار الخراب، أخبار الحروب والدمار، لأنك سريع النسيان....لكن أن تنساني؟؟
- عفوا.. هل نعرف بعضنا؟؟
- ..... ...... ............
لم تكن دهشة تلك، لم تكن مفاجأة... كانت صاعقة نزلت بي، وجعلتني أتسمر في مكاني وأنسى طعم الكلام ولون الحروف...
- عـ..فوا...عف...وا...
ورحت أنسحب من أمامك أحمل أثقالا من الذكريات التي التصقت بجلدي بعد أن اقتربت منك بغير مضاد حيوي، وكنت مشغولا بطلب قهوة ثانية تجدد معها بحثك بين صفحات جرائدك المكدسة على الطاولة....علكتكتشف خبرا لم يقرأه أحد غيرك، لأنه كتب فقط من أجلك أنت...